السبت، 31 أغسطس 2013

عزيزتي، كلاكيت آخر مرة

عزيزتي،


هذا خطابي الأخير لك. أكتبه وأنا مستلق على ظهري أستمع ل'ضمير أبلة حكمت' عزف عمر خيرت. لعلك تتسائلين عن من حكمت ومن خيرت. حقك بالطبع. هذه إحالات ثقافية لا يفهمها إلا مصري مثلي. عمر خيرت هذا موسيقار كبير. كبير كبيتهوڤن وباخ. حكمت هذه هي ناظرة مدرسة في مسلسل مصري قديم تحمل لي كل معاني الطفولة: النظر بهيبة إلى المدرّسة، العودة مسرعاً من المدرسة لتناول الغذاء مع أمي وأختي على أنغام تترات المقدمة والنهاية للمسلسل مع إطلالة رشيقة من فاتن حمامة. هذا زمان مضى على أي حال. أوكا وأورتيجا يملئون الشاشات الآن!


لعلك تتسائلين أيضاً، أو لا تفعلين، لمَ هو خطابي الأخير. سأخبرك سواء شئتِ أم لا. سئمتك! سئمت برودك وتأخرك وتحفظك. تَمُنين عليّ أن استمعتي بل أنا أمن عليك أن أراسلك! أنا الآن متزن نفسياً. سليم عقلياً. لن أسمح لك أن تتلاعبي بي ثانيةً وإن كنتُ....إمممممممم....أحبكِ...


لن تسمعي مني ثانيةً فاستمعي الآن جيداً ولآخر مرة: سأرتحل ثانيةً! من مدينتي الصغيرة التي شهدت أولى خطواتي إلى المدينة الصاخبة القاهرة المزيفة التي تتعثر فيها الخطوات. عمل جديد، مرهق، متطلب وضاغط. 'سكن' جديد، لا بيت، في منطقة جديدة. هذا يعني خباز جديد، بقال آخر، مكوجي مختلف. أقران مختلفون في السكن: يوناني وبريطاني. أصدقاء أخر. أصدقائي 'الأصليون' يرحلون الواحد تلو الآخر. في الحقيقة....أنا خائف!


عزيزتي، هل سأعرف للوطن معنى يوماً؟ هل سأشعر بالبيت والاستقرار يوماً؟ آمل ذلك. بقى لي على الأرض، كما ترشدني عقيدتي، ما بين ٠-٣٥ عاماً. كيف ستكون؟ هل سيرضى الرب عني فيها؟ هل سأدخل 'حديقة عدن' كما يقول كتابك المقدس؟


همساً، أتمزق أنني أنهي خطابي الأخير لكِ. يحتد صوت الساكسفون في مقطوعة 'خيرت' الآن وتنساب نغمات الماريمبا الدافئة وأنا في الفراش وحيداً. لطالما تمنيتك وطناً، أماً وأب، بيتاً في قلبي ولكنك رفضت. آسف على رفضك. أصلي لك بالسعادة ولنفسي بمصادقة الرب الرحيم.


كوني كأروع ما تكونين،


المخلص دوماً،

عمر




الأحد، 11 أغسطس 2013

بسم الله...

كنت من فترة أقرأ رواية 'Forty Rules of Love' للروائية التركية 'إليف شفق' والرواية بالمناسبة رائعة وتتحدث فيها عن الصداقة الروحية للقطبين الصوفيين الكبيرين مولانا جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي. 
في أحد فصول الرواية، توقفت أمام موقف معجز، قصة من أعظم ما قرأت أو سمعت في سير الصحابة، تحكي القصة:

"كان سيدنا على ابن ابى طالب يقاتل مشركا شرسا فطال بينهما القتال. وفى النهايه تمكن رضى الله عنه من خصمه ولما هم بقتله بصق المشرك فى وجه سيدنا على والسيف فى الهواء يوشك ان يهوى فما كان من سيدنا على الا ان تركه وانصرف عنه ولم يقتله
فجرى المشرك خلفه مستفسرا عن سبب عدم قتله باستغراب
فكان الرد احد من السيف اذ قال سيدنا على زوج بنت النبى صلى الله عليه وسلم-- وبلا تفكير
'كدت ان اقتلك لانك عدو الله، أما وإن بصقت على -- فقد صرت عدواً لى'"

القصة على بساطتها فجرت بداخلي معاني عديدة وطرحت تأملات كثيرة وأفكاراً شتى. لن أفيض في ذكرها جميعاً، فقط سأشارككم بعضاً منها:

١- الإسلام، وإن ادعى البعض بحسن أو سوء نية عكس ذلك، لا يحب الحرب المقدسة. بالطبع الأطروحات حول هذا الموضوع متشابكة ومعقدة وما بين أصل الوحي وتطبيق المسلمين، هناك بالطبع فجوات. إلا أنه يجدر بنا فهم من موقف كهذا أن الله لم يأمر بالقتال إلا إزالةً لأشخاص يمنعون وصول الدين والهداية إلى العالمين. لا يقتل الله الناس لأنهم لا يؤمنون به بل لأنهم يمنعون آخرين من الوصول للهداية. قاتل المسلمون بأمر الله ورسوله وانتهوا بأمرهما. لا مجال للحديث عن شهوة القتل لدى المسلمين الأوائل، هؤلاء لم يكونوا متعطشين للدماء متحمسين للقتل كما يصورهم البعض وخاصةً في ثقافتنا الشعبية العالمية. 

٢- هناك تفرقة يجب أن تظل راسخة بين كلٍ منا كمسلم وبين كلمة الله. الاثنان ليسا واحداً. أنت لست الإسلام والإسلام ليس أنت. الإسلام أوسع وأرقى من المسلمين. 
كان بوسع سيدنا علي أن يعتبر إساءة المشرك له إساءةً للإسلام والله فهو من هو، هو علي بن أبي طالب، أحد أكبر كبار الصحابة. ولكن لا، نفسي شئ وكلمة الله شئ آخر. 
كثيرٌ منا حماساً يعلن ليل نهار أنه يريد أن تسود الأمة الإسلامية العالم وأن تصل كلمة الله إلى كل الدنيا وأن تقام صلاة الجمعة أمام البيت الأبيض. جميل. لا أتدخل في النوايا. فقط أقول أنني أتخوف من هذه اللهجة إن كانت غير صادقة فساعتها تكون النفس هي التي تتكلم، تبحث عن سبق وتفوق على العالمين متخذةً كلمة الله كمطية تركب عليها. عندها سنكون هدامين للدين حجراً حجرا. 

٣- لكي نصل إلى ما وصل إليه العظيم سيدنا علي فلنتذكر ثلاثية محاور الإسلام: عبادة الله، تزكية النفس وعمارة الأرض. هذه المحاور الثلاث تتداخل وتتكامل لتصنع مسلماً حقيقياً. أي خلل فيها يؤدي إلى فهم مشوه ومنقوص وأفعال كارثية لسنا منها ببعيد. الأزمة أن المناهج الفكرية/الدعوية الإسلامية الموجودة على الساحة لم تظهر في أغلبها كامتداد للإرث الفكري/المنهجي الطويل لديننا بل كردات فعل عنيفة على نوازل تاريخية جللة كسقوط الخلافة والانهزام الحضاري. جاءت هذه المناهج والأيدولوچيات منقوصة ومبتورة ومقطوعة عن الفهم الكلي الشامل للدين فمنها ما استغرق أمام العبادة لله الشعائرية طويلاً وانهمك في مسائل الفقه الدقيقة متجاهلاً لمحورين أخريين. ومنها ما استهوته عمارة الأرض بالسياسة فقط. ومنها ما 'تدروش' في المساجد. لا أمل في الخلاص الفردي أو الجماعي سوى بأخذ الكتاب 'بقوة' وقوة الكتاب هنا في شمولية منهجه وجامعيته. 

هذا بعض ما توقفت أمامه من معانٍ وأفكار. واثق أن لديكم أكثر. شاركونا :)