عزيزتي،
هذا خطابي الأخير لك. أكتبه وأنا مستلق على ظهري أستمع ل'ضمير أبلة حكمت' عزف عمر خيرت. لعلك تتسائلين عن من حكمت ومن خيرت. حقك بالطبع. هذه إحالات ثقافية لا يفهمها إلا مصري مثلي. عمر خيرت هذا موسيقار كبير. كبير كبيتهوڤن وباخ. حكمت هذه هي ناظرة مدرسة في مسلسل مصري قديم تحمل لي كل معاني الطفولة: النظر بهيبة إلى المدرّسة، العودة مسرعاً من المدرسة لتناول الغذاء مع أمي وأختي على أنغام تترات المقدمة والنهاية للمسلسل مع إطلالة رشيقة من فاتن حمامة. هذا زمان مضى على أي حال. أوكا وأورتيجا يملئون الشاشات الآن!
لعلك تتسائلين أيضاً، أو لا تفعلين، لمَ هو خطابي الأخير. سأخبرك سواء شئتِ أم لا. سئمتك! سئمت برودك وتأخرك وتحفظك. تَمُنين عليّ أن استمعتي بل أنا أمن عليك أن أراسلك! أنا الآن متزن نفسياً. سليم عقلياً. لن أسمح لك أن تتلاعبي بي ثانيةً وإن كنتُ....إمممممممم....أحبكِ...
لن تسمعي مني ثانيةً فاستمعي الآن جيداً ولآخر مرة: سأرتحل ثانيةً! من مدينتي الصغيرة التي شهدت أولى خطواتي إلى المدينة الصاخبة القاهرة المزيفة التي تتعثر فيها الخطوات. عمل جديد، مرهق، متطلب وضاغط. 'سكن' جديد، لا بيت، في منطقة جديدة. هذا يعني خباز جديد، بقال آخر، مكوجي مختلف. أقران مختلفون في السكن: يوناني وبريطاني. أصدقاء أخر. أصدقائي 'الأصليون' يرحلون الواحد تلو الآخر. في الحقيقة....أنا خائف!
عزيزتي، هل سأعرف للوطن معنى يوماً؟ هل سأشعر بالبيت والاستقرار يوماً؟ آمل ذلك. بقى لي على الأرض، كما ترشدني عقيدتي، ما بين ٠-٣٥ عاماً. كيف ستكون؟ هل سيرضى الرب عني فيها؟ هل سأدخل 'حديقة عدن' كما يقول كتابك المقدس؟
همساً، أتمزق أنني أنهي خطابي الأخير لكِ. يحتد صوت الساكسفون في مقطوعة 'خيرت' الآن وتنساب نغمات الماريمبا الدافئة وأنا في الفراش وحيداً. لطالما تمنيتك وطناً، أماً وأب، بيتاً في قلبي ولكنك رفضت. آسف على رفضك. أصلي لك بالسعادة ولنفسي بمصادقة الرب الرحيم.
كوني كأروع ما تكونين،
المخلص دوماً،
عمر